الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

قضايا اللغة العربية في العصر الحديث

قضايا اللغة العربية في العصر الحديث. نقصد بقضايا اللغة ما يولّده وضعها في المجتمع من جهات الدين و السياسة و التربية و الإعلام و الثقافة و التعدّدية اللغوية و نحو ذلك. فاللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية تخرج عن كونها أداة للتواصل فقط،لتغدو جزءاً من العقائد و الاتجاهات الفكرية. و لذلك بات معروفاً عَدُّ اللغة جزءاً من تراث عصر النهضة الحديثة،و ما برز فيه من مدارس و اتجاهات فكرية و أحزاب و تجمّعات سياسية. و من هنا اختلف وضع اللغة في أدبيات هذه الاتجاهات كالسلفية الإسلامية و القومية العربية و الليبرالية التغريبية و الإقليمية القطرية و اليسارية الاشتراكية و ما يشبهها. و لا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أنّ القرنين التاسع عشر و العشرين شهدا تأثيرات أجنبية واضحة في الفكر العربي و مشروعاته السياسيّة،تجلّى الكثير منها في أشكال لغوية،كنشر اللغات الأجنبية و افتتاح المدارس الحديثة التي تخضع لتوجّهات غريبة عن المجتمع،و استعمال كلّ أدوات الغزو الثقافي لمقاومة الروح العروبية و النزوع الوحدوي،و محاولات إضعاف اللغة العربية و إبعادها عن الحياة و لا سيما التعليم. و إذا رمُنْا تطبيق أسس علم اللغة الاجتماعي الذي يدرس وضع اللغة في المجتمع،فإننا نجد أنّ اللغة العربية خلال القرنين المنصرمين اتصلت بأبرز قضايا المجتمع،و صارت مداراً لسجالات طويلة بين أجيال من المفكرين و السياسيين و غيرهم من طوائف شتى من المثقفين. و يمكن للدارس أن يصنف هذه القضايا في المجالات الرئيسة الآتية ::: أ‌- اللغة و السياسة: و تشمل علاقة اللغة بالدولة الحديثة و إدارتها و أوضاعها القانونية، و ما يتفرّع منها من وثائق و مدوّنات و مصطلحات و نحو ذلك،بدءاً من دولة محمد علي سنة 1805م و انتهاءً بأيامنا هذه.كما تشمل علاقة اللغة بالتعليم العام على اختلاف مراحله،و وضع اللغة الرسمية و اللغة الأم في أرجاء العروبة و مجتمعاتها و تشكلاتها السياسية. كما تشمل صلة اللغة بالقومية و الأمة و الدولة في العصر الحديث،و ما يتفرع عن ذلك من وضع الأقليات اللغوية و الهويات الثقافية.: و تتصل هذه العلاقة بوضع من الوجهة الدينية من ب‌- اللغة و الدين : حيث أداء الشعائر و تبليغ النصح و الوعظ،و التأليف في الموضوعات و العلوم الدينية،و اتصال اللغة بالكتب المقدسة و لاسيما القرآن الكريم و علومه،التي كوِّنت حاضنة للغة العربية تقاوم آثار الزمان و تعدّد المكان. و قد تجلت هذه العلاقة في الكثير من الاتجاهات الحديثة على أساس من قداسة اللغة و المحافظة عليها،بسبب اتصالها بالمقدسات الدينية و نقلها لآثار المسلمين و روايتها لسير الأعلام،و نحو ذلك من الأوضاع التي تتأثر بها مكانة اللغة و العناية بها،أو تساعد على اتخاذها سبيلاً لتحقيق غايات تعليمية في الجامعات الإسلامية أو في بعض المؤسسات الفقهية و الثقافية.: ت‌- اللغة و الثقافة : و تتجلى هذه العلاقة في الأدب و فنونه،و الصحافة و الإعلام،و العلوم الإنسانية و الاجتماعية و التربوية. فاللغة أداة للثقافة و مكوّن لها يعبّر عن مستوياتها في الحياة العامة و وسائل الاتصال،لأن اللغة ليست لغة الدولة الرسمية و لغة الدين السائد فقط،إنما هي لغة الثقافة بكلّ آفاقها التي ث‌- اللغة و المجتمع تبرز الشخصية "العالِمة" للمجتمع،إضافة إلى مبادئها الأخلاقية و مثلها الإنسانية. : و تظهر اللغة في المجتمع بوصفها جزءاً منه،لأنها – كما أسلفنا – ظاهرة اجتماعية،يعبّر كلّ قوم عن أغراضهم على اختلاف مستوياتهم. و لذلك يُعنى علم اللغة الاجتماعي أصلاً بهذه العلاقة التي يدرسها من خلال التعددية اللغوية و الأقليات اللغوية و المستويات الاجتماعية،و ما يظهر فيها من آثار ثقافية و اقتصادية. و تجدر الإشارة إلى أنّ درس "الفصحى" و "اللهجات" العامية هو أبرز ما تتجلى فيه هذه العلاقة، إضافة إلى درس لهجات الصنّاع و مواضعات الطبقات الاجتماعية و آثارها الفنية،كالأمثال و الأزجال و نحوها من الآداب الشعبية المتوارثة،التي تعبّر عن "أصالة" المجتمع في وجه من الوجوه اللغوية. كما تظهر هذه العلاقة من خلال المؤسسات الاجتماعية الرسمية و غيرها كالجمعيات العلمية و المجامع اللغوية،التي تعمل على توجيه المجتمع و بثّ الثقافة العالِمة فيه و تقوية اللغة الفصحى و الارتقاء باللهجات إلى مصافّ اللغة المشتركة. ج‌- اللغة و الحداثة: و تبرز هذه العلاقة في الكثير من مناحي اللغة،لأنّ لغتنا متّهمة بأنها لغة قديمة نشأت في عصور غادرها التطوّر الثقافي و الاجتماعي،مع أنّ هذه التهمة و غيرها ليست إلا من باب الادعاء أو الافتراء الذي ليس له سند. لكنّ اللغة أيّاً كانت مدعوّة إلى مجاراة العصر،و لاسيما هذا العصر الذي تتسارع فيه عناصر التطوّر و التغيّر. و تطرح الآن مسائل من هذه العلاقة تظهر في المصطلحات و العلوم و العولمة و الاتصال و وسائل الإعلام على اختلافها. و نشير هنا إلى أنّ معظم التيارات الفكرية اتفق على ضرورة تحديث اللغة و أدواتها العلمية و الإعلامية مما ظهر في "التطوير" المعياري الذي سلكته مجامع اللغة العربية في هذا العصر،و قاومت به الفرنجة و مزاحمة اللغات الأجنبية و أنتجت آثاراً جليلة تضاف إلى رصيد اللغة و مسيرتها التاريخية. و هكذا يتبين أنّ العربية في العصر الحديث صارت طرفاً في حقول معرفية متعددة أنتجت قضايا فكرية متداولة حفلت بالكثير من الاتجاهات و خلّفت العديد من الآثار و الأدبيات. و يؤكد هذا ما سبقت الإشارة إليه من أنّ موضوع اللغة و وعيها أكبر من أن يكون محصوراً في علومها و درس خصائصها. ........ موقع البلاغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق